العودة للوضع السابق


فى تمام الساعة الثانية عشرة بعدة منتصف الليل أول أمس تلقيت أتصالاً هاتفياً من زميلى بالمكتب راجياً منى الذهاب لنيابة وسط القاهرة ، و كان ميعاد ذلك هو صباح الأمس ، و كان ذلك بخصوص حضور أحدى التحقيقات مع أحد الأشخاص تم القبض عليه أثناء تظاهرات الخامس و العشرين من يناير فى ذكرى إحتفاليه الثورة .

فى البدأ لقد كنت معتقداً أنه ينتمى لتظاهرات الاخوان المسلمين المناهضة للثلاثين من يونيو ، أو أنه ينتمى لأحد تلك الحركات الثورية كالسادس من إبريل أو الاشتراكيين الثوريين ، و الذى أرى أنه من الغباء خروجهم مع تظاهرات الاخوان فلم ينالهم من الاخوان سوى التكفير و التخوين و أستباحة الدماء .

لم أكن على القدر من الاهتمام بالواقعة ، فالامر مسيساً كما نعلم فى تلك الظروف و لن يتم الافراج عن المتهم بسهولة هذا إن تم الافراج الافراج عنه من الاساس .

إلا أننى حين وصلت لسراى النيابة فوجئت بما لم يكن متوقعاً ، فالمقبوض عليه لم يكن مشاركاً لا فى إحتفاليات و لا فى تظاهرات ، بل أنه كان يقوم بشراء ملابس عُرسهُ و الذى كان من المفترض أن ينعقد مساء أمس بأحد القاعات التابعة لنوادى القوات المسلحة ، طبعاً أصابنى الزهول لدرجة أننى لم أكن مقتنعاً بما يرويه أقارب الشخص المعتقل إلا أننى تأكدت بعد دخولى لغرفة رئيس النيابة الكلية .

لم أمارس مهنة المحاماه سوى من أربع سنوات فقط منذ إندلاع ثورة يناير ، و قد كنت أسمع عما كان يحدث أثناء حكم مبارك من تجاوزات شرطية و خصوصاً فى القضايا السياسية ، و كنت أظن أنه وضع حداً لنهاية الامر بعد الخامس و العشرين من يناير ، إلا أننى كنت غارقاً فى الاوهام مثلى مثل الكثيرين .

بعد إتخاذ الاجراء الذى أشار عليه رئيس النيابة للتظلم من قرار الحبس ، حيث أننى حين وصلت علمت أن الشخص المعتقل لم يبدأ معه سوى تحقيق صورى و تم إصدار قرار بحبس المتهمين و الذى علمت بعد ذلك أن أغلبهم من القصر تحت خمسة عشر عاماً شائت الاقدار أن يكونوا مارين بمنطقة وسط البلد أو ذاهبين للمشاركة للاحتفالات و تأيد السيسى .

غادرت سراى النيابة و أنا أحاول جاهداً أن أقنع أهل المحبوس أن تصديق كلام رئيس النيابة لهو ن الخطأ و الذى طمأنهم أنه سوف يخرجه من محنته ، فالقضية بأكملها سياسية بحتة لايخرج فيها القرار منفرداً بهذه السهولة ، فمبدا الفصل بين السلطات ليس سوى شكل رمزى أو لوحة تجميلية لنصوص الدستور و القانون ، فبعد الظهر قد وصل لأهل المحبوس هاتفاً بأن ذويهم يخضع للتحقيق مرة أخرى و بدون علم أحد و بمخالفة نصوص القانون التى تشترط حضور محامى للتحقيق .

كل ما سبق سرده هو دليل مادى على أننا لم نتغير فالعقيدة الاجتماعية و التعاملية و الفكرية كما هى ، فالثورة الحقيقية ليست تغير انظمة و إنما تغير فكر و اساليب و أن الامور عادة كما كان فى السابق من ظلم و إستعباد لشعب عاشق للكرباج و صناهة الاله . 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شروق و غروب

آخر ما حرف فى التواره

أسلوب حياة